لم يوجد أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم دخل في بدعة ولا خالف السنة ولا جماعة المسلمين،ولا خرج على أئمة الدين بل الصحابة كلهم عدول؛ وذلك لأنهم تلقوا الوحي من النبي مباشرة فوصل الإيمان إلى قلوبهم، فلم يكن إيمانهم عن تقليد بل عن فقه واتباع. (يجب) على الوالد التسوية بين أولاده في العطية والتمليك المالي، (ويستحب) له التسوية في المحبة والرعاية، لكن إذا كان فيهم من هو معاق أو مريض أو صغير ونحوه فالعادة أن يكون أولى بالشفقة والرحمة والرقة. وقد سئل بعض العرب: من أحب أولادك إليك؟ فقال: الصغير حتى يكبر، والمريض حتى يبرأ، والغائب حتى يقدم. إذا عرف الصغير ربه، وعظم قدر ربه في قلبه، نشأ على طاعة الله تعالى، ونشأ على محبته، وأحب عبادة الله وعظمها في صغره، وسهلت عليه وداوم عليها في كبره، وكره المعصية ونفر منها، وكره كل ما نهى الله تعالى عنه؛ حيث أن آباءه يعلمونه الخير ويؤدبونه عليه تفكروا في آيات الله وكيف بسط الله عز وجل الأرض، وجعل فيها الجبال والوهاد والأودية، والمنخفضات والمرتفعات والرمال والأبطحة، والمعادن التي في جوفها والمياه، وما شابه ذلك.فلو أن الإنسان أخذ يتدبر في هذه المخلوقات وأخذ يكرر ذلك لحفظ وقته من الضياع، وازداد يقينا وقوي إيمانه، ولم تتطرق إلى عقله الشكوك والتخيلات الشيطانية. الإسلام خير الأديان نظافة وآدابا، ولم يترك رسول الله صلى الله عليه وسلم لأتباعه أمرا إلا بينه لهم، حتى آداب قضاء الحاجة وما يتعلق بها من التباعد عن النجاسات ونحو ذلك
الافتراق والاختلاف
6983 مشاهدة
الأخذ بالاحتياط في المسائل الخلافية

نقول: إذا كان هناك مسائل اختلافية فاخْرُجْ من الخلاف، وخُذْ بالاحتياط، إذا لم يَتَرَجَّحْ عندك أحد القولين، ولا تأخذ بالأسهل دائما.
فهذه أمثلة وتوصيات. نرجو -إن شاء الله- أن الإخوة عندهم بصيرة وعلم بها، وبقية الوقت نجعله لبعض الأسئلة التي بين أيدينا.
ونسأل الله –سبحانه- أن ينفعنا بما علمنا، ويعلمنا ما ينفعنا.
ونسأله –سبحانه- أن يتقبل منا صيامنا وقيامنا وصلاتنا وعباداتنا وصدقاتنا وأذكارنا، وأن يضاعف لنا الحسنات، ويكفر عنا السيئات، ويرفع لنا الدرجات، ويجزل لنا المثوبات، وأن يجعلنا في هذا الشهر من عتقائه من النار، وممن يسعدون بمغفرة الذنوب والأوزار، وممن يعمهم ربنا برحمته وهو العزيز الغفار.
ونسأله –سبحانه- أن يُمَكِّنَ لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأن يصلح لنا أحوالنا، ويصلح أحوال المسلمين جميعا، ويعز الإسلام والمسلمين، ويُذِلَّ الشرك والمشركين، ويصلح أئمتنا وولاة أمورنا، ويجعلهم هداة مهتدين؛ يقولون بالحق وبه يعدلون، ويرزقهم البطانة الصالحة؛ التي تحثهم على الخير، وتحذرهم عن الشر، إنه ولي ذلك، والقادر عليه. والله تعالى أعلم، وصلى الله على محمد .
جزى الله شيخنا الشيخ عبد الله خير الجزاء على هذه التوجيهات الطيبة الكريمة، والتي -بلا شك- أن كل واحد منا -نحن الصائمين- بِأَمَسِّ الحاجة أن نتعلم دروسا عملية توجهنا إلى الخير وتدلنا وتحثنا عليه.
نسأل الله -سبحانه وتعالى- أن يرزقنا علما نافعا، وعملا صالحا متقبلا، ويجعلنا وإياكم ممن إذا استمع القول اتبع أحسنه. وكل قول الله حسن.
اسمح لي فضيلة الشيخ أن أعرض بعض الأسئلة التي -إن شاء الله- تجاوز ربع ساعة من وقت الإخوة، وإن كان الجميع يرغبون في أن يجلسوا مع فضيلة شيخنا الوقت الكثير؛ لكن لعلمي بأنه مرتبط بعد هذه الجلسة؛ ولأننا نريد أن نُرَغِّبَكُمْ في فضيلة الشيخ لحضور المحاضرة القادمة بعنوان: الأمانة في مسجد فيصل بن طلال بن عبد العزيز إمامه الشيخ سعد السعدان إن شاء الله تعالى.
أسئلة كثيرة.. منها ما يخص الموضوع، ومنها ما هو شخصي؛ لكن لعلي أستطيع هذه الدقائق أن أعرض على الشيخ بعض الأسئلة.
أسئـلة
س: السؤال الأول يقول: ما حكم السواك بالمعجون في نهار رمضان؟ وما حكم التَّطَيُّبِ في نهار رمضان؟
هو أيضا من المسائل الخلافية؛ فكرهه بعض المتقدمين من السلف، وسبب كراهتهم، قالوا: إنه يزيل الخلوف، والخلوف أطيب عند الله من ريح المسك، وأباحه أو استحبه آخرون؛ وهو الصحيح.
الذين كرهوه قالوا: يُكْرَهُ بعد الزوال؛ لأنه وقت الخلوف، والذين استحبوه قالوا: يُسْتَحَبُّ قبل الزوال وبعده، وفي كُلِّ الصيام يستحب أن يستاك. والسواك إنما يُزِيل وسخ الفم؛ ما يكون في الفم، وفي الأسنان من الوسخ، ومن الأذى ونحو ذلك، وأما الخلوف فإنه يكون من خُلُوِّ المعدة من الطعام والشراب؛ فهذه الرائحة التي هي الخلوف لا يزيلها السواك.
إذًا فالسواك مستحب قبل الزوال وبعده؛ ولكن هناك أنواع من السواك فيها طعم، نوع من السواك يتحلل وفيه طعم، وإذا قشرته يكون لها طعم يختلط بالريق، فإذا كان لها طعم يختلط بالريق؛ فإنك إذا تسوكت بها فإنك تمجُّ ذلك الطعم ولا تبتلع نفاثته، ولا تبتلع الطعم الذي يختلط بالريق. أما السواك العادي فليس له طعم؛ وإنما يُنَظِّفُ الفم، وأما المعجون؛ فالصحيح أنه لا بأس به إذا دَلَكَ فَمَهُ وأسنانه بالمعجون، ثم بعد ذلك غسل فمه وطَهَّرَهُ، ولم يبقَ شيء من طعم المعجون -معجون الأسنان- ونظف فمه فلا يُفَطِّرُه إن شاء الله.
س: يقول السؤال الثاني: -وإن كانت هناك أسئلة؛ أجاب عليها فضيلة الشيخ أثناء استعراضه لبعض المواقف والاختلافات- يقول هذا السائل: أريد الذهاب لأداء العمرة؛ ولكن أحد رجلي صناعية، ويوجد بها مخيط، فهل يجزي لي الإحرام وأنا لابسها؟
يجزئ ذلك، ولا حرج ما دام أنها رجل صناعية، وقد اضطررت إلى أن تجعل عليها هذا الخف الصناعي –مثلا- أو هذا الرجل الصناعية التي فيها شبه المخيط؛ فإنك معذور في ذلك، ولا حرج في أن تُحْرِمَ بها، وتطوف بها، وتسعى بها.
هذان سؤالان فضيلة الشيخ؛ لكن واحد أخطر من الثاني:
س: يقول السؤال الأول: إذا داعب الرجل زوجته في نهار رمضان، فإنه يخرج منه ماء أو سائل؛ فهل هذا من المفطرات؟ وما هي الكفارة؟
س: والثاني يقول: رجل جامع زوجته في نهار رمضان. فما الكفارة لذلك؟
الجماع: هو الإيلاج الذي يحصل به الحمل؛ يعني: عادة الإنزال... هذا الجماع الذي يحصل عادة بين الزوجين فيه كفارة؛ إذا كان في نهار رمضان فعليه كفارة، والصحيح أنها تلزمه؛ حتى ولو كان ناسيا، ورخص بعضهم فيما إذا كان ناسيا؛ ولكن الاحتياط أن يُكَفِّرَ؛ ولو كان ناسيا.. جاء رجل من الأعراب إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وقال: هلكتُ! قال: وما أهلككَ؟! قال: وقعتُ على أهلي في رمضان.. فقال: هل تجد رقبة تعتقها؟ قال: لا؛ فقال: هل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟ قال: لا. فقال: هل تستطيع أن تطعم ستين مسكينا؟ قال: لا؛ فَأُتِيَ النبي صلى الله عليه وسلم بفرق يعني: بزنبيل فيه خمسة عشر صاعا من التمر، فقال: تَصَدَّقْ بهذا. فقال ذلك الأعرابي: أَعَلى أفقر منا؟! ووالله ما بين لابتيها أهل بيت أفقر منا!!! فضحك النبي عليه الصلاة والسلام وقال: أَطْعِمْهُ أهلك فهذا جاء وهو خائف، خائف.. وَجِلٌ من هذا الفعل الذي وقع فيه، فبين له النبي صلى الله عليه وسلم هذه الكفارة، وأنها مثل كفارة الظهار. ولما لم يجد هذه الثلاثة كلها أسقطها عنه؛ لأجل العذر.
فنقول: الذي جامع في نهار رمضان عليه أن يُعْتِق، فإذا لم يجد رقبة يعتقها فعليه أن يصوم؛ أن يصوم شهريين متتابعين، ولا يلزمه أن يجتنب امرأته؛ بل تحل له امرأته في ليالي الصيام؛ لأن هذا ليس كالظِّهَار الذي قال الله: مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فإذا لم يستطع فإنه يُطْعِمُ ستين مسكينا؛ لكل مسكين مُدُّ بُرٍّ، أو نصف صاع من غيره، فإذا لم يجد بأن كان فقيرا مُدْقِعًا سقطت. ومنهم من يقول: إنها تبقى دَيْنًا في ذمته. وبكل حال هذه كفارته، وعليه التوبة، وعليه مع ذلك قضاء ذلك اليوم الذي أفسده.
وأما الآخر الذي ضم امرأته فنزل منه هذا المذي أو هذا المني ولم يحصل مباشرة ولا جماع فمثل هذا ليس عليه كفارة؛ ولكن عليه القضاء، يقضي ذلك اليوم؛ وذلك لأنه مكن نفسه من نيل هذه الشهوة، والصائم عليه أن يترك شهوته كلها. الله تعالى يقول في الحديث القدسي: إنه ترك شهوته وطعامه وشرابه من أجلي فهذا ما ترك شهوته؛ حيث إن نفسه اشتهت ضم امرأته، أو قَبَّلَهَا أو لمسها –مثلا- بتلذذ أو بشهوة، فحصل منه هذا الإنزال؛ فلأجل ذلك يقضي يوما مكانه ولا كفارة.
س: يقول السؤال: رجل جامع زوجته، ونام، ولم يستيقظ؛ إلا بعد الفجر وهو جنب، وصائم، ماذا يكون عليه؟ جزاكم الله خيرا.
ليس عليه شيء؛ قد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم كان يصبح جنبا من أهله في رمضان؛ يدركه الفجر وهو جنب، فيغتسل، ويصلي، فلا شيء عليه على الصحيح.
وما ورد من أنه يقضي ذلك اليوم. ورد حديث؛ ولكن الصحيح أنه كان في أول الأمر، وأنه منسوخ، وعلى هذا: لو أصبح وهو جُنُبٌ فاغتسل وصَلَّى فلا قضاء عليه.
س: يقول السؤال: هل تفضل صلاة التراويح والقيام جماعة على صلاة المنفرد مثل الفرض؟
نعم؛ وذلك لأنه تحصل الْحِكَم التي في صلاة الفريضة؛ الْحِكَمُ والمصالح، فمن الْحِكَم في صلاة الجماعة: الخطوات -ذهابا وإيابا- هذه تفوق الذي يصلي في بيته.
ومن الْحِكَم: التعارف؛ وذلك بأن المسلمين إذا صلوا جماعة تعارفوا فيما بينهم، وتآلفوا وتحابوا.
ومن الْحِكَم: النشاط؛ وذلك لأنه إذا صلى مع الجماعة كان أنشط له. أما إذا صلى وحده فقد يعتريه شيء من الكسل والتثاقل، وما أشبه ذلك.
ومن الْحِكَم: الْعِلْمُ؛ لأنه قد يجهل أشياء، فإذا صلى مع الجماعة الذين إمامهم له معرفة وعلم استفاد من قراءته، واستفاد من هيئة صلاته، واستفاد تعليما، واستفاد فَهْمًا، وكذلك أيضا ما يستفيده من سماعه للقرآن، ومن سماعه للأحاديث، وما أشبه ذلك.
وأيضا فإن هذه شُرِعَتْ في العهد النبوي؛ صلى النبي عليه الصلاة والسلام بأصحابه جماعة ثلاث لَيَال؛ ولكنه خاف أن تُفْرَضَ عليهم، وجمعهم عمر رضي الله عنه على بعض الصحابة جماعةً، واستمروا على ذلك إلى يومنا هذا.
س: أرجو من الإخوة الكرام ألا يأخذ علينا ترك بعض الأسئلة، فيه سؤال هنا يقول: لقد وقع خلاف بين بعض طلبة العلم في أحد المدارس؛ حيث إن أحدهم قام بغسل يديه بماء مشروب، يعني: سِفِنْ أَبْ، وأنكر عليه أحدهم؛ ولكنه يقول: إن هذا ليس فيه شيء؛ لأنه ليس هناك فرق بينه وبين الماء. ولم ينتهوا إلى حل، فما هو الحكم في ذلك؟
نقول: لا يظهر ما دام أنه من المشروبات، لا ينبغي أن يستعمله لغسل يديه، ولا لغسل ثوبه، ولو كان سائلًا، ولو كان ماء عاديًّا –يعني: في الظاهر- لكن يُفَضَّلُ أنه لا يستعمل وذلك؛ أولا: لغلائه؛ فإنه يعتبر رفيع الثمن، ليس مثل المياه العادية، الماء العادي موجود ومتوفر ومتيسر ورخيص وبدون قيمة، وهذا لا يحصل إلا بقيمة؛ ومع ذلك لو يغسل يديه به، طهرت وارتفع الحدث به؛ وذلك لأنه ماء صافٍ ليس فيه شيء من النجاسة، لا طعما، ولا ريحا، ولا لونا.
س: امرأة تقول : إنها مُطَلَّقة، ولها أربعة أولاد، وتريد أن تُزَكِّيَ أموالها، فهل لها أن تعطي أبناءها من هذا الذهب، أو من هذه الزكاة؟
لا تحل الزكاة للأصل ولا للفرع، زكاتك لا تحل لولدك -ذكرا أو أنثى- ولا لِوَلَدِ الْوَلَدِ، لا لأولاد بناتك، ولا لأولاد أبنائك -ذكورا وإناثا-؛ ولو كانوا بعيدين، ولا تَحِلُّ لِأَبَوَيْك، ولا لأجدادك، ولا لِجَدَّاتك؛ وذلك أنك تُلْزَمُ بالنفقة عليهم إذا افتقر أحد منهم؛ إذا افتقر أبوك أو جَدُّك يلزمك أن تنفق عليه، وكذلك إذا افتقر ابنك، أو بنتك، أو ابن ابنك، أو بنت ابنك، أو نحوهم أُلْزِمْتَ بأن تُنْفِقَ عليهم، فإذا أعطيتهم زكاة مالك؛ فكأنك فديتَ النفقة بالزكاة. أما الإخوة والأعمام وبنوهم؛ فإنها تَحِلُّ لهم.
س: يقول السائل: أنا عامل مقيم في الرياض وأهلي يقيمون خارج المملكة فهل أُخْرِجُ عنهم زكاة الفطر في الرياض أم يخرجونها هناك؟
يخرجونها هناك، وأَخْرِجْ أنت عن نفسك، زكاة الفطر تتبع البدن؛ فالبلد الذي تَغيب عليك شمس آخر يوم من رمضان وأنت فيه، البلد الذي أنت فيه ليلة العيد تُخْرِجُ زكاتك فيه، وأهلك يخرجون زكاتهم في البلد الذي هم فيه. هكذا قال العلماء: أن زكاة الفطر تتبع البدن؛ فأرْسِلْ إليهم مالًا يشترون به فطرة، ويزكون عن أنفسهم، وفَطِّرْ عن نفسك في بلدك. هذا هو الأفضل.
أيها الإخوة الله: نذكركم بما بدأ به فضيلة الشيخ عن إخوان لنا، يحتاجون إلى مَدِّ يد العون لهم.
وأخيرا.. نشكر فضيلة الشيخ على تَجَشُّمِهِ المصاعب، وإتيانه إلينا، ونسأل الله -سبحانه وتعالى- أن يجعل ما قاله حُجَّةً لنا لا علينا، وأن ينفعنا بعلمه، ونراه -إن شاء الله- في مناسبات طيبة، وهو على أحسن صحة وحال، ونسأل الله جميعا التوفيق والهداية، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.